Saturday, November 26, 2011

كاترينا..مع لفظ الغاء

لقد اشتريت نفس اللعبة و لعبتها لأتأكد من قدراتي العقلية

 

كانت تجلس بجواري على قطار الثامنة. كان يرافقها شخص يرعاها بحب.

لم أُطل التفكير في محاولة معرفة مدى قرابته لها.

كانت تلعب كالطفل البريء..تعقد حاجبيها تارة و تفردهما تارة في محاولةٍ منها لمعرفة نهاية اللعبة. اللعبة كانت عبارة عن رجل آلي مصنوع من الليغو.

كان مرافقها يتدخل عندما تستدعي الحاجة ليساعدها في تركيب اللعبة ثم يكتفي بالمراقبة من بعيد مبتسما بينما هي تُكمل على تعليمه. كانت نظراته ملأة بالفخر و الحب معا. لو لم تكُن قرابة السن بينهما واضحة لقلت بأنها ابنته.

لاحظَتْ نظراتي لها.. و فضولي العربيّ.

وإذا بها تهاجمني ملاعبةً برجُلها الآلي الجديد. ضحكتُ و مثّلت دور الصريع. ضحِكَت و كلمتني باللغة الألمانية اللتي لا أُجيدها. ابتسمت و قلت لها بالإنجليزية " أنا جد آسفة لكني لا أتكلم الألمانية". و إذا بها ترُد عليّ بالإنجليزية!

لم أكن أتوقع إِجادتها للإنجليزية!!!

لقد كانت تتكلم بإنجليزية بطيئة و مهذبة، مراعيةً لقواعد اللغة! ما فاجئني إنها تكلمت الإنجليزية أفضل بكثير من كل الألمان الذين قابلتهم. و هي لم تكّن مثل كل الألمان. هي كانت من ذوي الإحتياجات الخاصة. و اللعبة اللتي بدت صغيرةً على عمرها، كانت لتنمية قدراتها العقلية. لقد كانت تشّع ذكاءاً.

أحببتها.

في بلادنا العربية لا نعطي الكثير من الإهتمام للإنسان العادي، فكيف بالإنسان المحتاج إلى حب و رعاية أكثر من باقي الناس؟!

كنت جد فخورةٍ بها. الآن عرفت سر فخر مرافقها بها. ربما كان أخيها. ربما حبيبها. لا يهم. فهو ساعد في صقل جوهرة حقيقية.

سألتني "من أين تأتين؟" قلت لها البحرين. قالت "لا أعرفها". سألتها ان كانت تعرف الخليج. أجابت بنعم. شرح لها مرافقها بالألمانية موقع البحرين القريب من السعودية. فقالت "عرفت موقعها!!" إنها تعرف و تقرأ الخرائط!!!

أخبرتني بأن أختها تعيش في كاليفورنيا و تحادثها كل يوم على الإنترنت. عندها عرفت سر اتقانها للغة الإنجليزية. لم أرَ واحد من ذوي الإحتياجات الخاصة في بلداننا يتقن لغة أُخرىٰ غير العربية. و حتى العربية ليست بإتقان.

سألتها عند الفراق "ما اسمُك؟!" قالت "كاترينا" ( مع لفظ الراء غاء). كان الإسم جميلا بين شفتيها. فسألتني في المقابل عن اسمي، قلت لها Samah و يعني السماح بالعربية. قالت لي اسمك جميل.

انها تحس بجمال الأسماء! إلهي أين نحن من هذا التطور!؟

ابتسمنا و تفارقنا. و كان هذا نهاية اللقاء. كاترينا. لو كانت لي أمنية واحدة في وقتها لتمنيت لقاءك مرة أخرى و لمدة أطول من لقاءنا هذا.

لقد ألهمتِني الكثير في عدة دقائق على رحلة قطار الثامنة.

فشكراً لك.





                                                                       سماح حسين

                                                                      11:10 صباحاً  بتوقيت ألمانيا

                                                                      24 سبتمبر 2011 السبت


No comments:

Post a Comment