Wednesday, November 30, 2011






انزل الميدان - خط عربي

Saturday, November 26, 2011

كِفاح باتت في بيتها

لقد قضت طفولتها في ذلك البيت. تلعب و تُخزِن اللِعب في بيت خالها. و تمرح مع ابنة خالها. لقد كانت أول صديقةٍ لها. و أقرب صديقة. طوال طفولتها لم تلعب مع صديقة غيرها. لم تعرف صديقة غيري. و لم أعرف غيرها.

أتتخيل قضاء طفولة بأكملها في اللعب مع نفس الشخص الأوحد؟! كانت جميلة.

فرقتنا المدارس و من ثَم فرقتنا قُرى و مواقع بيوت. انتقلنا من البيت الذي قضيت فيه الخمسة عشر سنة الأولى من عمري. إلى بيت آخر قضيت فيه أربعة عشر سنة أُخرى.

عرفت الكثير من الأصدقاء. و أحببت الكثير. لكن لم يصل أحد منهم إلى الباب الذي بلغته "كفاح" في قلبي. كم أحببت نغم اسمها مع اسمي.

و اليوم بعد ١٤ سنة غياب عن غرفتي القديمة و بيتي القديم، ها أنا أزوره و أزور كفاح. نعم لقد بات بيتها الآن.

البيت الذي قضت طفولتها تلعب في غُرفِهِ، أصبح اليوم البيت الذي يلعب فيه أطفالها"أيمن" و "أحمد". حتى "البانيو" الذي كنّا نراه مسبحنا الخاص في طفولتنا، بات اليوم مسبح أبنائها الخاص و المفضل. وقفت بجانبها ساكتين لبعض الوقت. سألتني "ألم نكٌن نراه أكبر؟". ضحكت و قلت لها "ربما!". لقد كبِرنا.

أخذتني جولة في البيت. نفس الغُرف. نفس تفاصيل السقف الجميلة. نفس الشاندليرز المستوردة المصرية القديمة. نفس السيراميك. نفس الأبواب الخشبية المطرزّة بذوق أبي. حتى السجاد المائل للسُمرة، هُوَ هُوَ. لكأني رجِعتُ طِفلة و لكأننا رجعنا نركض بين حُجرات البيت فرحين. أنا بشعري القصير جداً الذي كان عقاب أُمي لي على لفه بين أصابعي لدرجة يُصعب عليها من بعدها فكه. و هي بشعرها الأسود المهندم و المُفرق من النصف و المعقود في ظفيرتيين جانبيتين.

جلسنا في نفس موقع الكنبة القديمة. موقعنا المفضل للعب. من دون أن نشعر تبوئنا نفس المقعد القديم.

أكانت غريزة؟

تكالمنا لساعات دون أن نشعر. لكأني لم أذهب. لكأنها كانت دائمة القُرب مني. لا زلت أعرفها. لا زالت كما عرِفتُها.خجولة. كثيرة الطيبة. هادئة و حنونة. لا زلت أشعر بنفس السكينة من حولها. قليل في هذه الحياة من أعطاني نفس السكينة.

و لا زلت أنا تلك الشقية التي تُحاول جرّها للإنحراف عن كل السلطات.



توادعنا و خرجت، على غير العادة. فهذه المرة أنا التي ذاهبة إلى بيتي و ليست هي.

كفاح باتت في بيتها.





                                                                          سماح حسين

                                                                        01:05 صباحاً  

                                                                        27 نوفمبر 2011 الأحد








من فضلك يا عربي..اسمح لإنسانيتي بالمرور


كنت في طريقي إلى العيادة، كعادتي كل صباح عندما استوقفتني سيارة تقودها إمرأة. انتظرت على جانب الطريق، في انتظار مرور السيارة. و إذا بالمرأة تُرجع سيارتها للخلف في إشارة منها لأولوية عبوري الطريق قبلها.

لقد كان موقفٌ لم أألفه. ففي بلادنا العبرية، أقصد العربية، لا توجد عربية تقف لإنسان و إنما الإنسان هو من يقف تعظيماً للعربية حتى تعبر. أحزنني أن تُقدم الآلة في بلدي على أرواح الناس.

تذكرت عشرات المواقف اللتي مات فيها آسيويين تحت عجلاتٍ عربية. و في كل حادثة كان الخبر يُقرأ "انتحار آسيويّ برمي نفسه أمام السيارة" !!

لو لم تشعر سياراتنا المعدنية بعظمتها أمام الروح الإنسانية، ما كانت سمحت لنفسها بدهس كل مارٍ من أمامها. السيارات في بلداننا تحس بأولويتها فما من عجلاتٍ عندنا تقف لروح. الروح هي من تقف خوفاً من دهس العجلات.

حتى الآلات الحربية عندنا تعرف بأفضليتها على العرب لذلك يموت العشرات عندنا يوميا ضحية رصاص طائش.

لا أعرف إن كان السر في القوانين الصارمة اللتي تتبعها البلدان الغربية لردع الناس عن التفريط في الأرواح. أم أن إحساسهم و تقديرهم للإنسانية أكثر من إحساسنا بها و تقديرنا لها. لكني لطالما أحسست بأهمية روحي البشرية في بلدانهم، لا في بلداننا.



و اليوم أطلب منك يا عربي..

من فضلك،، هدئ من روع آلتك، فهناك روح بشرية على جانب الطريق.

و من فضلك، اسمح لإنسانيتي بالمرور.





                                                                          سماح حسين

                                                                        01:14 ظهراً  بتوقيت ألمانيا

                                                                        26 سبتمبر 2011 الأثنين


كاترينا..مع لفظ الغاء

لقد اشتريت نفس اللعبة و لعبتها لأتأكد من قدراتي العقلية

 

كانت تجلس بجواري على قطار الثامنة. كان يرافقها شخص يرعاها بحب.

لم أُطل التفكير في محاولة معرفة مدى قرابته لها.

كانت تلعب كالطفل البريء..تعقد حاجبيها تارة و تفردهما تارة في محاولةٍ منها لمعرفة نهاية اللعبة. اللعبة كانت عبارة عن رجل آلي مصنوع من الليغو.

كان مرافقها يتدخل عندما تستدعي الحاجة ليساعدها في تركيب اللعبة ثم يكتفي بالمراقبة من بعيد مبتسما بينما هي تُكمل على تعليمه. كانت نظراته ملأة بالفخر و الحب معا. لو لم تكُن قرابة السن بينهما واضحة لقلت بأنها ابنته.

لاحظَتْ نظراتي لها.. و فضولي العربيّ.

وإذا بها تهاجمني ملاعبةً برجُلها الآلي الجديد. ضحكتُ و مثّلت دور الصريع. ضحِكَت و كلمتني باللغة الألمانية اللتي لا أُجيدها. ابتسمت و قلت لها بالإنجليزية " أنا جد آسفة لكني لا أتكلم الألمانية". و إذا بها ترُد عليّ بالإنجليزية!

لم أكن أتوقع إِجادتها للإنجليزية!!!

لقد كانت تتكلم بإنجليزية بطيئة و مهذبة، مراعيةً لقواعد اللغة! ما فاجئني إنها تكلمت الإنجليزية أفضل بكثير من كل الألمان الذين قابلتهم. و هي لم تكّن مثل كل الألمان. هي كانت من ذوي الإحتياجات الخاصة. و اللعبة اللتي بدت صغيرةً على عمرها، كانت لتنمية قدراتها العقلية. لقد كانت تشّع ذكاءاً.

أحببتها.

في بلادنا العربية لا نعطي الكثير من الإهتمام للإنسان العادي، فكيف بالإنسان المحتاج إلى حب و رعاية أكثر من باقي الناس؟!

كنت جد فخورةٍ بها. الآن عرفت سر فخر مرافقها بها. ربما كان أخيها. ربما حبيبها. لا يهم. فهو ساعد في صقل جوهرة حقيقية.

سألتني "من أين تأتين؟" قلت لها البحرين. قالت "لا أعرفها". سألتها ان كانت تعرف الخليج. أجابت بنعم. شرح لها مرافقها بالألمانية موقع البحرين القريب من السعودية. فقالت "عرفت موقعها!!" إنها تعرف و تقرأ الخرائط!!!

أخبرتني بأن أختها تعيش في كاليفورنيا و تحادثها كل يوم على الإنترنت. عندها عرفت سر اتقانها للغة الإنجليزية. لم أرَ واحد من ذوي الإحتياجات الخاصة في بلداننا يتقن لغة أُخرىٰ غير العربية. و حتى العربية ليست بإتقان.

سألتها عند الفراق "ما اسمُك؟!" قالت "كاترينا" ( مع لفظ الراء غاء). كان الإسم جميلا بين شفتيها. فسألتني في المقابل عن اسمي، قلت لها Samah و يعني السماح بالعربية. قالت لي اسمك جميل.

انها تحس بجمال الأسماء! إلهي أين نحن من هذا التطور!؟

ابتسمنا و تفارقنا. و كان هذا نهاية اللقاء. كاترينا. لو كانت لي أمنية واحدة في وقتها لتمنيت لقاءك مرة أخرى و لمدة أطول من لقاءنا هذا.

لقد ألهمتِني الكثير في عدة دقائق على رحلة قطار الثامنة.

فشكراً لك.





                                                                       سماح حسين

                                                                      11:10 صباحاً  بتوقيت ألمانيا

                                                                      24 سبتمبر 2011 السبت