لقد قضت طفولتها في ذلك البيت. تلعب و تُخزِن اللِعب في بيت خالها. و تمرح مع ابنة خالها. لقد كانت أول صديقةٍ لها. و أقرب صديقة. طوال طفولتها لم تلعب مع صديقة غيرها. لم تعرف صديقة غيري. و لم أعرف غيرها.
أتتخيل قضاء طفولة بأكملها في اللعب مع نفس الشخص الأوحد؟! كانت جميلة.
فرقتنا المدارس و من ثَم فرقتنا قُرى و مواقع بيوت. انتقلنا من البيت الذي قضيت فيه الخمسة عشر سنة الأولى من عمري. إلى بيت آخر قضيت فيه أربعة عشر سنة أُخرى.
عرفت الكثير من الأصدقاء. و أحببت الكثير. لكن لم يصل أحد منهم إلى الباب الذي بلغته "كفاح" في قلبي. كم أحببت نغم اسمها مع اسمي.
و اليوم بعد ١٤ سنة غياب عن غرفتي القديمة و بيتي القديم، ها أنا أزوره و أزور كفاح. نعم لقد بات بيتها الآن.
البيت الذي قضت طفولتها تلعب في غُرفِهِ، أصبح اليوم البيت الذي يلعب فيه أطفالها"أيمن" و "أحمد". حتى "البانيو" الذي كنّا نراه مسبحنا الخاص في طفولتنا، بات اليوم مسبح أبنائها الخاص و المفضل. وقفت بجانبها ساكتين لبعض الوقت. سألتني "ألم نكٌن نراه أكبر؟". ضحكت و قلت لها "ربما!". لقد كبِرنا.
أخذتني جولة في البيت. نفس الغُرف. نفس تفاصيل السقف الجميلة. نفس الشاندليرز المستوردة المصرية القديمة. نفس السيراميك. نفس الأبواب الخشبية المطرزّة بذوق أبي. حتى السجاد المائل للسُمرة، هُوَ هُوَ. لكأني رجِعتُ طِفلة و لكأننا رجعنا نركض بين حُجرات البيت فرحين. أنا بشعري القصير جداً الذي كان عقاب أُمي لي على لفه بين أصابعي لدرجة يُصعب عليها من بعدها فكه. و هي بشعرها الأسود المهندم و المُفرق من النصف و المعقود في ظفيرتيين جانبيتين.
جلسنا في نفس موقع الكنبة القديمة. موقعنا المفضل للعب. من دون أن نشعر تبوئنا نفس المقعد القديم.
أكانت غريزة؟
تكالمنا لساعات دون أن نشعر. لكأني لم أذهب. لكأنها كانت دائمة القُرب مني. لا زلت أعرفها. لا زالت كما عرِفتُها.خجولة. كثيرة الطيبة. هادئة و حنونة. لا زلت أشعر بنفس السكينة من حولها. قليل في هذه الحياة من أعطاني نفس السكينة.
و لا زلت أنا تلك الشقية التي تُحاول جرّها للإنحراف عن كل السلطات.
توادعنا و خرجت، على غير العادة. فهذه المرة أنا التي ذاهبة إلى بيتي و ليست هي.
كفاح باتت في بيتها.
سماح حسين
01:05 صباحاً
27 نوفمبر 2011 الأحد
No comments:
Post a Comment